ما صحّة “التسريبات” التركيّة حول حِوارٍ وشيك بين دِمشق وأنقرة؟ وما دور الأزمة الأوكرانيّة في هذا الاختِراق إذا تأكّد؟ ولماذا هذه “المُرونة” تُجاه سورية من قِبَل أردوغان الآن؟ ومن هو الوسيط الإمارات أم روسيا.. وكيف؟
الخط الساخنعبد الباري عطوان
فجّرت صحيفة “حرييت” اليوميّة التركيّة أمس قنبلة سياسيّة من العِيار الثّقيل عندما كشفت في تقريرٍ إخباريّ لها عن وجود توجّه لدى الرئيس رجب طيّب أردوغان وحُكومته لفتح حوارٍ مع السّلطات السوريّة لإعادة العُلاقات بين البلدين إلى صُورتها الطبيعيّة في إطار استراتيجيّتها الجديدة (الحُكومة التركيّة) لسياسة “تصفير المشاكل” مع الدّول التي دخلت في صِدامٍ معها، وخاصَّةً بعد ما يُسمّى بالربيع العربي طِوال السّنوات العشر الماضية، حيث انخَرطت في هذا “المشروع” وتبنّت حركة “الإخوان المسلمين” ودعَمت الإسلام السياسي وفصائله المُسلّحة.
لم يَصدُر أيّ تأكيد أو نفي لهذا الخبر من الجانبين التركي أو السوري ويعتبره البعض مُجرّد “بالون اختبار”، ورغبة من قِبَل الرئيس أردوغان “لترميم” صُورته التي اهتزّت في أوساط جيرانه العرب، بعد فشل خطط تغيير النظام في سورية، ومُبالغته في التّطبيع مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وإغلاقه مِلف عملية اغتِيال خاشقجي على أمل استعادة العلاقات الاقتصاديّة مع الدولة السعوديّة، وقبل كُل هذا وذاك تحسين العُلاقات مع الإمارات، وفتح قنوات حِوار مع مِصر.
***
هُناك مُعسكران داخِل تركيا وفي سورية اتّصلت ببعض رموزهما “رأي اليوم” لاستِطلاع آراءهم حول هذه المسألة:
الأوّل: يقول بأنّ هذه التقارير الصحافيّة حول رغبة تركيا في فتح حِوار مع “الجار” السوري غير دقيقة، وتلجأ جِهات مُقرّبة من الرئيس أردوغان إلى تسريبها بين الحين والآخر لتوجيه رسائل إلى أكثر من جهة على رأسها الحُكومة السوريّة، والأكراد واللاجئين السوريين على الأراضي التركيّة لتهيئتهم لمُخطّط قادم بترحيلهم، أو نسبة كبيرة منهم، بعد أن أصبح هؤلاء قضيّة أساسيّة في الحملات الانتخابيّة الرئاسيّة والبرلمانيّة، وخاصَّةً من قِبَل المُعارضة التركيّة التي تُرَجِّح استِطلاعات الرأي فُرص نجاحها.
الدكتور حسني محلي الخبير في الشّأن التركي أكّد أن هذه التّسريبات لا أساس لها من الصحّة، لأن الرئيس أردوغان يَكُن عداءً شخصيًّا للرئيس بشار الأسد، ولا يُمكن التّصالح معه “لأنّ هذه المُصالحة تعني الاعتِراف بالهزيمة في الملف السوري، وأن مُصالحته مع الإمارات والسعوديّة و”إسرائيل” ومِصر تأتي في إطار خطّته لإبعادها عن سورية، وهو يعتقد أن شعبيّته في سورية كبيرة جدًّا”.
المُعسكر الثاني يعتقد أن هُناك بعض الصحّة في هذه التقارير، ولا دُخان بُدون نار، لأن دولة الإمارات العربيّة المتحدة التي زارها الرئيس الأسد ونظيره التركي أردوغان تقوم بدور الوِساطة لإزالة الخِلاف بين الجانبين، وأن لقاءات جرت بينهما سابقًا على مُستوى رئيسيّ جهاز المُخابرات، وربّما تكون هذه الوِساطة الإماراتيّة قد حقّقت بعض النّجاح في كسْر جبل الجليد، وحُدوث “اختِراق ما” لنَقل هذه اللّقاءات إلى المُستوى السياسي، وبمُباركةٍ روسيّة.
السيّد فيصل المقداد وزير الخارجيّة السوري وفي كلمةٍ له في مُنتدى فالداي في موسكو في شهر شباط (فبراير) الماضي، “أبدى استِعداد سورية لتطبيع العُلاقات مع تركيا وِفق شُروط”، وقال “إن سورية وتركيا جاران يربطهما تاريخٌ طويل يكفي لفَهم بعضنا البعض”.
ما نستخلصه من كُل ما تقدّم أن احتمال فتْح قناة الحِوار بين الجانبين التركي والسوري هو الأكثر ترجيحًا، في ظِل حاجة البلدين للتوصّل إلى حُلولٍ سياسيّة للأزمة الحاليّة بينهما، والتطوّرات العالميّة النّاجمة عن أزمة أوكرانيا، وبُروز الدّور الروسي، وتراجع الدّور الأمريكي في المُقابل حيث يتورّط البَلدان، روسيا وأمريكا في حربٍ بالإنابة على الأرض السوريّة، كُل هذه المُتغيّرات سارعت بهذا الحِوار.
الرسالة “السريّة” التي قيل إن الرئيس أردوغان بعث بها إلى القِيادة السوريّة عبر الوسطاء تُؤكّد على ثلاث نقاط يُمكن أن تُشَكِّل أرضيّة قويّة للحِوار:
أوّلًا: التِزامه بوحدة الأراضي السوريّة، واستِعداده لسحب قوّاته.
ثانيا: ضمان أمن اللاجئين العائدين إلى سورية في أيّ تسويةٍ قادمة.
ثالثا: التصدّي لأنشطة حزب العمّال الكردستاني انطلاقًا من الأراضي السوريّة تحديدًا.